أحمد حسن عوض - سيرة ذاتية لرجل من أعمدة شركة دواجن الوطنية

سيرة أحمد حسن عوض، مدير قسم الرواتب في شركة دواجن الوطنية، وسيرة حياته من عطبرة إلى السعودية، نموذج للتفاني والإخلاص.

7/3/20251 دقيقة قراءة

في ذِكرى والدي الغالي: أحمد حسن عوض (رحمه الله)

في عام 2020، ودّعت أسرتنا أحد أعظم أعمدتها، والدي الحبيب أحمد حسن عوض، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعطاء، والصدق، والإخلاص. ورغم مرور السنوات، ما زالت ذكراه الطيبة حاضرة في قلوبنا، وكل من عرفه يشهد له بأخلاقه، وتفانيه، وحبّه للخير.

النشأة والتعليم

وُلد والدي في مدينة عطبرة، شمال السودان، وهي المدينة التي عُرفت بلقب "مدينة الحديد والنار" بسبب تاريخها الطويل مع السكك الحديدية والمقاومة الوطنية. نشأ في أسرة كريمة متواضعة، غرست فيه منذ صغره قيم الصبر، والاجتهاد، والتمسك بالمبادئ.

أكمل والدي دراسته المدرسية في عطبرة بتفوق، وكان محبًا للعلوم، فقرر أن يدرس الهندسة الكهربائية، وتخرج من جامعة عطبرة، إحدى أعرق المؤسسات التعليمية في السودان. لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل واصل سعيه في مجالات أخرى، حيث حصل لاحقًا على دبلوم في المحاسبة من جامعة البحر الأحمر، إيمانًا منه بأن التخصصات تكمل بعضها، وأن الجمع بين التقنية والإدارة يفتح آفاقًا أوسع في الحياة المهنية.

مسيرته المهنية

بدأ والدي مسيرته المهنية في السودان، لكنه كان يحمل طموحات كبيرة ورغبة في تطوير نفسه ومساعدة أسرته، فانتقل إلى المملكة العربية السعودية في أوائل الثمانينات. وهناك التحق بالعمل في شركة دواجن الوطنية (http://www.alwatania.sa/)، التي كان في بدايات تأسيسها على يد الشيخ سليمان الراجحي، أحد أبرز رواد الأعمال في المملكة والمنطقة.

كان والدي من أوائل الموظفين في الشركة، وقد تم تعيينه في قسم الشؤون المالية، ثم تدرّج حتى أصبح رئيس قسم الرواتب، وهو منصب حساس يتطلب دقة، وأمانة، ومسؤولية عالية. وعلى مدى قرابة ثلاثين عامًا، ساهم في بناء نظام مالي منضبط داخل الشركة، وكان من الأشخاص الذين يُعتمد عليهم في كل ما يخص الإدارة المالية والموارد البشرية.

كل من عمل معه يشهد له بحرصه، وهدوئه، وأسلوبه الراقي في التعامل. لم يكن يسعى إلى المناصب أو الأضواء، بل كان يسعى إلى أن يُنجز عمله بإخلاص ورضا من الله.

حبّه للعلم والتعلم المستمر

من أجمل ما أتذكره في والدي هو شغفه الدائم بالتعلم. لم يكن يومه يكتمل دون أن يقرأ، أو يحضر دورة تدريبية، أو يُطالع كتابًا جديدًا. ورغم ساعات العمل الطويلة، كان يجد الوقت لتطوير نفسه، سواء من خلال الدورات المهنية، أو القراءة الذاتية.

كان يؤمن أن الإنسان يجب أن يتعلم حتى آخر يوم في حياته، وأن "العلم لا يقف عند عتبة الجامعة". وهذا ما غرسه فينا نحن أبناؤه، فكان دائمًا يشجعنا على الدراسة، والبحث، وعدم الاكتفاء بما هو متاح.

أخلاقه وإنسانيته

لم يكن والدي مميزًا فقط في عمله، بل كان إنسانًا بمعنى الكلمة. كان معروفًا بين زملائه وجيرانه وأصدقائه بأنه كريم، صادق، متواضع، عطوف على من حوله. لم يكن يُحب الظهور أو التفاخر، بل كان يعمل في صمت ويُقدم الخير دون انتظار أي مقابل.

شارك في العديد من الأنشطة الخيرية داخل المملكة وخارجها، وخصوصًا في السودان، حيث كان يحرص على دعم الأسر الفقيرة، والمساهمة في صيانة المدارس والمساجد، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمحتاجين، سرًّا وعلنًا.

التكريم والجوائز

خلال مسيرته العملية، نال والدي العديد من الجوائز والتكريمات من إدارة شركة دواجن الوطنية، تقديرًا لإخلاصه وتفانيه. وكانت من أبرز الجوائز التي حصل عليها:

- جائزة أفضل أداء وظيفي على مستوى الشركة.

- شهادات شكر وتقدير لدوره في تحسين أنظمة الرواتب والإدارة المالية

- تكريم خاص من الإدارة العليا بمناسبة مرور 25 عامًا على خدمته

لكن والدي، بطبعه المتواضع، كان يعتبر هذه الجوائز مجرد حوافز، لا تعني شيئًا إن لم يكن الله راضيًا عنه.

أبي، كما عرفته

على المستوى الشخصي، كان أبي أقرب أصدقائي ومعلمي. تعلمت منه الكثير من الدروس في الحياة: كيف أكون صبورًا، كيف أعمل بإخلاص، وكيف أضع رضا الله في مقدمة كل شيء.

ولا أنسى كلماته التي كانت دومًا تهمس في أذني عندما كنت أدعو له قائلاً:

"الله يطوّل عمرك يا أبي."

فكان يبتسم ويردّ بلطف:
"ادعُ لي ببركة العمر، فطول العمر بلا بركة ما منه فائدة."

كانت هذه الجملة درسًا عميقًا لا أنساه، اختزل فيه فلسفة حياته كلها: البركة، لا الكثرة. الجودة، لا الكَمّ.

وفاته ودعاؤنا له

في عام 2020، فارقنا والدي بعد صراع قصير مع المرض،

ورحل بجسده، لكنه بقي في قلوبنا، وذكراه حاضرة في كل موقف، وكل لحظة، وكل صلاة.

نرفع أكفّ الضراعة إلى الله في كل حين، أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وأن يعوّضه عن كل تعب وكل قطرة عرق بالنعيم المقيم.

اللهم اجعل البركة في ذريته كما دعا، ووفقنا أن نكمل ما بدأه، ونحافظ على إرثه من القيم، والمبادئ، والإخلاص.